ثمن الصراخ/ محمد افو

حدثني أحد الفقهاء الأفاضل عن امرأة سألته عن حكم لبس العروس في بلادتا للسواد .

كانت هذه السيدة أما لعروس تجري ترتيبات عرسها ، وبدر في بالها وجه التشابه بين لبس السواد في المآتم ولبسه في الأفراح فسألت الفقيه عن حكمه .

وكان موجب ذكره للموضوع هو بحثه عن مرجع (كتاب) في القياس .

والحقيقة أن الكتب المؤلفة في موضوع القياس كثيرة ومتشعبة ولا قبل لصاحبنا بدراستها أحرى لسبب بسيط كهذا .

فالقياس في المنطق والقياس في اللغة والقياس في العلل والتعليل والأقيسة في الكتاب والسنة وغيرها من تصنيفات القياس ومجالاته وعلومه ، والتي تتضافر جميعها في بناء هذا الأصل من الأصول المعروفة .

 

قلت لصاحبي لقد جعلتك أم العروس هذه تتورط في اختلاق قضية ليس لها اصل منطقي في الأساس .

وكان من السهل طمأنتها بجواز الإشكال باعتباره مباحا مشهورا ومما لا تعليق عليه (ليس بشيء).

 

في حياتنا السياسية والاجتماعية هناك دائما أم عروس كأم عروس صاحبنا ، تختلق الإشكالات و تشغل غيرها بها .

وبحكم معرفتي بأم العروس ، فهي لم تسأل بدافع الورع المبالغ فيه والذي يدفع ندرة من الناس للاستشكال عن تفاصيل كثيرة خشية الوقوع في الشبهات .

 

وهناك مثل في المشرق العربي يضرب لمن يشغل نفسه ويشغل الناس بشواغل غير موجودة ولا حقيقية ، قيقولون "ام العروس ،مشغولة وهي فاضية " .

ولست أدري أكانت أم عروسنا قد اختلقت هذا الإشكال "اللاشي" بسبب فراغها وضرورة أن تظل منشغلة فقط لأنها أم العروس.

 

في سياستنا المحلية هناك "أم عروس " لا شغل لها غير اختلاق الأزمات والدعوة للحوار من أجل حل تلك الأزمات .

لا غاية من التأزيم غير مكاسب قد تعرض في الحوار ولا غاية من الحوار غير اختلاق الأزمات والدعوة للحوار (كنفارة عر) .

 

كموريتانيبن لم نعهد الاهتمام بالتقييم الأخلاقي لما يعرف ب "التمصلح" وكنا نعتقد أنه ظاهرة مسلم بها وفق إكراه الاعتياد والنمذجة التي حلت بوعينا نتيجة عقود من معايشة التمصلح السياسي .

لذلك لم يكن أمر "أم العروس " لافتا بالنسبة لنا كغيره من سلوك ساستنا السلبي .

 

لكن انتخابات 2024 أذكت ذاكرة الشعب الموريتاتي حول تراكمات متشابهة ابتداء من رئاسيات 2014 ومرورا برئاسيات 2019 و الانتخابات التشريعية 2023 وانتهاء برئاسيات 2024 الأخيرة .

بدأنا ندرك سلوك "أم العروس" ونستجمع منهجها وغاياتها من اختلاق الأزمات .

 

في البدء كانت هناك "قضية " متفهمة لكننا بعد التمحيص تذكرنا أن بداية "أم العروس" كانت في "مرجع" PRDS وأنها طافت بعد ذلك عدة حفلات و "محافل " لا علافة لها بالقضية المعروضة في الواجهة .

كانت أم العروس دائما تدخل القاعة بهدوء ثم تتزحلق على بلاط الحدث فيجتمع الناس .

وتلك هي اللحظة التي يتم توثيقها في انتظار لقاء "المحفل" وجوقة أمهات العرائس السابقين .

تدعي "أم العروس" أن هناك من دفعها للسقوط على أرضية القاعة وتنفرد حصريا بتصميم وصياغة الدافع ثم تجهز ملفها في انتظار "حافل "جديد ، وهكذا .

 

كانت الحوارات الوطنية تعقد من أجل سواد عيون أمهات العرائس وتتم مراضاتهم بما تيسر باعتبار حق المجنون في إبرة مهدئة وحق جواره في الراحة والسكينة.

 

في العام 2024 اتضح أن أم العروس قد فاق إدمانها للمهدئات كل التوقعات ، فأصبح صراخها دائما ودائبا وأنها قررت الاستثمار في السكينة العامة واتخذت من الإزعاج وسيلة للتكسب .

وهذه المرة قرر الناس الاستماع لاسطواتة الصراخ حتى النهاية .

هكذا وجدت أم العروس نفسها في أزمة غير معهودة فاجتمعت بأمهات العرائس السابقات لتعزيز وتيرة الصراخ ودعت إلى حوار وطني هدفه قطع الصراخ .

 

هكذا ..

لكننا في 2024 اصبحنا أكثر قدرة على التعايش مع صراخ أمهات العرائس ولن نذهب هذه المرة في رحلة بحث جديدة عن مراجع للقياس ، وعلى "أم العروس "أن تهدأ هذه المرة دون مهدئات و أن تواصل التزحلق والصراخ .