حين اعتلت إحدى الجرافات ركام مدرسة أبناء الشيوخ في مدينة تمبدغة بعد هدمها، تكون بذلك قد أزالت واحدة من أشهر المعالم التي رافقت سكان المدينة قرابة قرن من الزمن، وشكلت جزء من ذاكرتهم وذاكرة الموريتانيين بشكل عام، بعد أن خرجت المدرسة عدة شخصيات ساهمت في بناء الدولة الموريتانية الحديثة.
قبل الاستقلال بقرابة ثلاثين عاماً شيّد المستعمر الفرنسي بمدينة تمبدغة شرقي موريتانيا، مدرسة خاصة لتعليم «أبناء الشيوخ» والوجهاء في الحوضين، بموجب مقرر صادر عن والي «السودان الفرنسي» بتاريخ 12 سبتمبر 1933
كانت تدار هذه المدرسة من قبل أساتذة حاصلين على دبلوم، وتقدم الدروس باللغة الفرنسية لمدة 18 ساعة أسبوعياً، وباللغة العربية لمدة 12 ساعة، بما في ذلك دروس القرآن الكريم، والشريعة الإسلامية، وعلوم اللغة في الأدب العربي.
كان المتفوقون من تلاميذ المدرسة، يحصلون على منح لمواصلة دراستهم في مؤسسات التعليم الإعدادي والثانوي في إفريقيا الغربية المستعمرة أنذاك من فرنسا.
الهدم
ظلت المدرسة قائمة بذاتها، تخرج الأجيال، وتواصل عطاءها المعرفي لأبناء المنطقة، على مدى قرن من الزمن، وتقاوم بمواد بنائها القديمة ظروف الزمن، كواحدة من أعرق المعالم التي خلفها المستعمر في المنطقة، حتى جاء قرار هدمها لإعادة تأهيلها بدعوى أنها متهالكة إلى حد كبير.
ظلت المدرسة عبر تاريخها معلماً من معالم مدينة تمبدغة، وقد يشكل هدمها عند بعض سكان المدينة، هدماً لمعلم أثري مهم وهوية ثقافية للمنطقة.
خرجت المدرسة العديد من الشخصيات التي تبوأت مكانة كبيرة في بدايات الدولة الموريتانية، وكانت بصمات بعضهم حاضرة بشكل كبير في تأسيس الدولة الموريتانية الحديثة.
يقول “مصطافي أب” أحد أبناء مدينة تمبدغة في منشور له على صفحته في الفيسبوك: “كان على القائمين بالشأن العام التمبدغي من ساسة ومجتمع مدني ونخبة ترميم وبناء هذه المعلمة التاريخية، والمحافظة عليها على الأقل”
ثم يسترسل في تدوينته قائلاً: “لكن رب ضارة نافعة، الحمد لله، كفاية الله”
لم يكن قرار الهدم الذي فاجأت السلطات البلدية السكان بتنفيذه حدثاً عابراً على أبناء المدينة، فقد أثار نوستالجيا لدى البعض، أثار ذكرياتهم مع المدرسة، يقول الناشط “عبد الله اهنا”: “لقد دمرتم تاريخنا وطفولتنا حين كنا نتخذ منها مكاناً للعب واللهو”.